19 يونيو 2012

مفهوم الوطن، الجنسية، الروابط الاجتماعية والاسرية - سيد قطب معالم في الطريق

حين تكون آصرة التجمع الأساسية في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة ، ويكون هذا كله صادراً من إله واحد ، تتمثل السيادة العليا للبشر ، وليس صادراً من أرباب أرضية تتمثل فيها عبودية البشر للبشر . . يكون ذلك التجمع ممثلاً لأعلى ما في " الإنسان " من خصائص . . حصائص الروح والفكر.


فأما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع هي الجنس واللون والقوم والأرض . . . وما إلى ذلك من الروابط ، فظاهر أن الجنس واللون والقوم والأرض لا تمثل الخصائص العليا للإنسان . . فالإنسان يبقى إنساناً بعد الجنس واللون والقوم والأرض ، ولكنه لا يبقى إنساناً بعد الروح والفكر ! ثم هو يملك - بمحض إرادته الحرة - أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته ، ولكنه لا يملك أن يغير لونه ولا جنسه ، كما إنه لا يملك أن يحدد مولده في قوم ولا في أرض . . فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي هو المجتمع المتحضر . . اما المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف . . أو بالمصطلح الإسلامي . . هو " المجتمع الجاهلي " !
-------
بهذه النصاعة الكاملة ، وبهذا الجزم القاطع جاء الإسلام . . جاء يرفع الإنسان ويخلصه من وشائج الأرض والطين ، ومن وشائج اللحم والدم.

فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على اساس الارتباط في الله.
ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضوا في " الأمة المسلمة " في " دار الإسلام "
ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله ، فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله . . .

ليست قرابة المسلم أباه وأمه وأخاه وزوجه وعشيرته ، ما لم تنعقد الآصرة الأولى في الخالق ، فتتصل من ثم بالرحم
-----
لم يعد وطن المسلم هو الأرض، إنما عاد وطنه هو " دار الإسلام " الدار التي تسيطر عليها عقيدته وتحكم فيها شريعة الله وحدها، الدار التي يأوي إليها ويدافع عنها، ويستشهد لحمايتها ومد رقعتها . . وهي " دار الإسلام " لكل من يدين بالإسلام عقيدة ويرتضي شريعته شريعة ، وكذلك لكل من يرتضي شريعة الإسلام نظاما - ولو لم يكن مسلما - كاصحاب الديانات الكتابية الذين يعيشون في " دار الإسلام " . .

والأرض التي لا يهيمن فيها الإسلام ولا تحكم فيها شريعته هي " دار الحرب " بالقياس إلى المسلم ، وإلى الذمي المعاهد كذلك . . يحاربها المسلم ولو كان فيها مولده ، وفيها قرابته من النسب وصهره ، وفيها أمواله ومنافعه
----------
وطن المسلم الذي يحن إليه ويدافع عنه ليس قطعة أرض ، وجنسية المسلم التي يعرف بها ليست جنسية حكم ، وعشيرة المسلم التي يأوي إليها ويدفع عنها ليست قرابة دم ، وراية المسلم التي يعتز بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم ، وانتصار المسلم الذي يهفوا إليه ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش.
----------
وكل ارض تحارب المسلم في عقيدته ، وتصده عن دينه ، وتعطل عمل شريعته ، فهي " دار حرب " ولو كان فيها أهله وعشيرته وقومه وماله وتجارته . . وكل أرض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها شريعته ، فهي " دار إسلام " ولو لم يكن فيها أهل ولا عشيرة ولا قوم ولا تجارة .

الوطن : دار تحكمها عقيدة ومنهاج حياة وشريعة من الله . . هذا هو معنى الوطن اللائق بـ " الإنسان ".
والجنسية : عقيدة ومنهاج حياة ، وهذه هي الآصرة اللائقة بالآدميين .

إن عصبية العشيرة والقبيلة والقوم والجنس واللون والارض ، عصبية صغيرة متخلفة . . عصبية جاهلية عرفتها البشرية في فترات انحطاطها الروحي ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم " منتنة " بهاذ الوصف الذي يفوح منه التقزز والاشمئزاز.
----------
هذا التصور الرفيع للدار وللجنسية وللقرابة هو الذي ينبغي ان يسيطر على قلوب اصحاب الدعوة إلى الله ، والذي ينبغي أن يكون من الوضوح بحيث لا تختلط به أوشاب الجاهلية الدخيلة ، ولا تتسرب إليه صور الشرك الخفية : الشرك بالأرض ، والشرك بالجنس ، والشرك بالقوم ، والشرك بالنسب ، والشرك بالمنافع الصغيرة القريبة ، تلك التي يجمعها الله سبحانه في آية واحدة فيضعها في كفة ويضع الإيمان ومقتضياته في كفة أخرى ، ويدع للناس الخيار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق